تقديم الأستاذ :
إبراهيم خالد ، داعية إسلامي تجاني
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
نشأة الطريقة التجانية وتطورها
الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المرهوب من عذابه وسطوته ، النافذ أمره في سمائه وأرضه بحكمته ، الذي خلق الخلق بقدرته ، وميّزهم بأحكامه ، وأعزّهم بشريعته ، وأكرمهم بنبيّنا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، ورضي الله عن شيخنا أبي العباس أحمد بن محمد التجاني ، وعلى خليفته الإمام التماسيني ، وعلى سائر الخلفاء الميامين البررة . أما بعد :
فإنّ الله جلّت قدرته خلق الإنسان من أجل معرفته وعبادته قال تعالى :
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ

(1)
ولمّا كان الدين الإسلامي خاتم الأديان السماوية ، لم يبْق صراط موصل إلى الله غيره ، فهو منهاج كامل متكامل ، وبنظرة خاطفة لتعاليمه ، ومن حيث تعلقها بالمكلف ، تتمايز إلى نوعين :
-
أحكام ظاهر المكلف (المحسوسات) ويمكننا أن نقسمها إلى قسمين :
-
أوامر : كأمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة ، و الصيام ... .
-
ونواهي : كَنَهْيِه عن السرقة ، و الرّبا ، والرشوة ، وشرب الخمر .
-
أحكام تخصّ باطن المكلّف ( المعنوية ) ، ويمكننا تقسيمها أيضا إلى قسمين :
-
أوامر : كأمره بالإيمان ، والتوبة ، والصبر ، والصدق ...
-
ونواهي : كَنَهْيِهِ عن الكفر ، والشرك ، والنفاق ، والرياء ، والزّور ، والبهتان ... .
و لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هو القائم على تطبيق هذه التعاليم بِشِقَّيْها الظاهر والباطن ، أوامر ونواهي . قال تعالى :
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

. (2)
وبعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى خلَفَهُ في هذا المقام صحابتُه الكرام ، فاضطروا إلى تنصيب خليفة يهيمن على وحدتهم ، ويأخذ بنواصيهم إلى الخير و الفلاح .
وبدأت العلوم تتمايز في عهد الخلفاء ، و ظهر أهل الإختصاصات ، فمنهم مَنْ اهتمّ بالقرآن ، وأحكامه ، وعلومه ، وتفاسيره ، وأسباب النزول ، والقراءات .
واهتمّت طائفة أخرى بالحديث النبوي الشريف ، وأحكامه . بينما نَجِدُ من اهتم بالأحكام الشرعية التي تخص ظاهر المكلف ، وسمُّوهُم الفقهاء .
واهْتَمّتْ طائفة بعلاقة الإنسان بربه فألّفَت في العقائد ، فبرز علمُ الكلام .
و توجّهتْ طائفة لدراسة الأحكام الشرعية الخاصة بباطن الإنسان ـ أو فَلْنَقُلْ قلبه ـ أوامر ونواهي ، فسَمُّوهُم الصّوفية ، وعِلْمُهُم كل عِلمٍ يدعو إلى انسلاخ العبد من حظوظه وشهواته ، وتَبَرِّيه مِنْ مشاهدة حَوْلِه وقوّته ، ومباعدته عن كلّ ما يُفضي لجلب الشقاء لنفسه دنيا و أخرى ، والعلم بكل ما يدعو إلى وقوف العبد مع الله في صميم التوحيد ، وخروجه عن الغير والغيرية علما وعملا .
فظهر لك أن لهذه الطائفة مزية ، وأنّ لها الرّيادة والهيمنة ، لأن موضوعها الإنسان من حيث هو مخلوق لأداء رسالة معينة متمثلة في معرفة الله ، وعبادته ، والتقرّب إليه بكل ما في الجهد و الوسع . و للعلم ـ أيها السعيد ـ أن هذا العلم ـ تزكية النفس ـ فرضُ عينٍ على كل مسلم يخشى على نفسه هوْل المعاد ، لأن عذاب النار يوم القيامة مترَتَّب على عدم الإمتثال لأوامر الله ، قال تعالى :
و نفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دسّاها

. (3)
ولا يخلو إنسان من أمراض قلبية ، وعِلَلٍ خَفِيّة لا يستطيع أن يدركها بنفسه ، كالرياء ، والنفاق ، والغرور ، والحسد ، بل قد يعتقد أنه أكمل الخلق وأقوَمهم دينا ، وهذا هو الجهل المركب ، قال تعالى :
قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا

. (4)
لأجل هذا كله كانت الطرق الصوفية مدارس تربية وتوجيه وإرشاد ، ظهرت بأمر الحضرة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام تدعو إلى تقييد الغافلين بالأذكار الشرعية تقييدا مشروطا بمتابعة الكتاب والسنة ظاهرا وباطنا .
وهنا آن الأوان للكلام عن الطريق التجانية :
فأصلها كَشْفٌ محمودٌ حُظِيَ به أستاذها ، له نظائر عند صالحي الأمم . و النتيجة عبادة شرعية ثابتة بالكتاب و السنة ، و مظهرها الطبيعي الممتزج بالشريعة التحذير من المقاصد التي تُبَاعد عن مقصد الشكر ، وتؤدِّي إلى تَتَبّع الغايات والأغراض من الأسرار .
ظهور الطريقة التجانية
فاجأ سيِّدَنا الفتحُ الأكبرُ وهو بقصر أبي سمغون سنة 1196 هـ / 1782 م بالجنوب الغربي الجزائري بعد أن عاد من توات .
والفتح الأكبر هو رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة ، ومبَاشَرَةُ الأخذِ عنه ، ومخاطبته ، وهو مقام عزيز لا يناله كل أحد . قال صاحب الإحياء :
إعلم أن أرباب القلوب يكاشفون عن أسرار الملكوت ، تارة على سبيل الإلهام بأنْ تخطر لهم على سبيل الورود من حيث لا يعلمون ، وتارة على سبيل الرؤيا الصادقة ، وتارة في اليقظة على سبيل كشف المعاني بمشاهدة الأمثلة كما يكون في المنام ، وهذه أعلى الدرجات . فإيّاك أن يكون حظك من إنكار ما جاوز قصورك ، ففيه هلك من تورع عمن يزعم أنه أحاط بعلم المعقول و المنقول ، و الجهل خيرٌ مِنْ علمٍ يدعو إلى إنكار مثل هذه الأمور عل أولياء الله .
قال الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه ، مخبرا عن هذه الرؤية ، بأن سيد الوجود صلى الله عليه وسلم صرّح له بأنه شيخه ومربّيه وكافله ، وأنه لا مِنَّةَ لمخلوق عليه ، وأمَرَه بترك جميع ما أخذه من مشايخ الطرق ، وقال له :
ألزِم هذه الطريقة من غير خلوة ولا اعتزال من الخليقة حتى تصل مقامك الذي وُعِدْتَ به وأنت على حالك من غير ضيق ، ولا حرج ، ولا كثرة مجاهدة
وكان ذلك عام 1196 هـ / 1782 م .
فأذِنَ له النبي صلى الله عليه وسلم بتلقين الورد لكلّ من طلَبَه منه إذا قبل شروطه .
يتمثل هذا الورد في الإستغفار ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والكلمة المشرفة لا إله إلاّ الله ، يرتفع سندُ السالكِ فيها إلى الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه ، إلى سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة ، دون أيّ واسطة .
ولابد لي من ذكر لمحةٍ موجزةٍ عن حياة مؤسس هذه الطريقة فأقول :
-
هو سيدي أحمد بن محمد بن المختار بن أحمد بن محمد بن سالم رضي الله عنه ، وهو شريف حَسَنِي يصل نسبه إلى سيدي محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن الإمام سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وُلِد بِعين ماضي – الأغواط - الجزائر سنة 1150 هـ /1737 م ، أبواه من أهل الفضل بعين ماضي ، وأخواله من بني توجين التي اشتُقَّ منها لقبُ سيّدنا رضي الله عنه .
-
تحصّل في مطلع شبابه على العلوم النقلية و العقلية ، حتى أنه أفتى ودرّس وعمره لم يتجاوز 16 بعد .
-
بعد فقده لوالديه إثر توفيّهما بسبب تفشي وباء الطاعون في المنطقة ، إزداد شوقه إلى الفرار إلى الله ، ورغب في التقرب إليه ومعرفته .
-
في 18 من عمره صار مُدرّسا في قرية عين ماضي ، والْتفّ حوله طلاّب العلم فأفاد وأجاد .
-
وفي سنة 1758 م إرتحل إلى المغرب الأقصى قاصدا أهل المعرفة و الصلاح . و بعد رجوعه استوطن بلدة الأبيض سيدي الشيخ ، و مكث بها قرابة الخمس سنوات . وبهذه البلدة زاوية الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد المعروف بسيدي الشيخ القطب الصديقي .
-
حجَّ إلى بيت الله الحرام وعمره 36 سنة لزيارة مثوى إمام الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فانطلق سنة1773 م نحو تونس . إلتقى في طريقه الولي الصالح أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأزهري فأخذ عنه الطريقة الخلوتية .
-
و التقى في تونس بالشيخ الزاوي .
-
وصل إلى مكة في شوال 1187هـ - 1774م . أخذ عن سيدي أحمد بن عبد الله الهندي ـ بواسطة ـ علوما وأسرارا . وفي المدينة المنوّرة التقى بالشيخ سيدي محمد بن عبد الكريم السّمان رضي الله عنه .
-
وعند عودته مَرّ بالقاهرة ( 5 ) على الشيخ سيدي محمود الكردي رضي الله عنه .
-
وصل تلمسان عام 1774 م ، وفيها التقى بتلميذه الشريف الحسني سيدي محمد بن المشري .
-
زار فاس سنة 1777 م ، والتقى حبيبه الأخص ، أبا الحسن سيدي علي حرازم الفاسي الحسني .
-
ثم رجع الشيخ إلى أبي سمغون ، حيث وقع له الفتح الأكبر الذي تقدم ذكره سنة 1782 م .
-
بعد أن قرّتْ عينُه في هذه الديار الصحراوية الجزائرية ، تزوج بأمَتَيْن ، بعد أن أعتقهما ، وولدت له السيدة مبروكة نجله الأكبر سيدي محمد الكبير خلال 1797م ، وولدت له الثانية لالّه مباركة سيدي محمد الحبيب .
-
تأهل الشيخ مهمة التربية ، ولقد شهد له سيدي محمد بن عبد الله الجيلاني :
أما الشيخ أحمد فإنه أخي في الطلب . كان يراقبني في أحوالي و أراقبه في أحواله . عالم بأمور الدين و الدنيا ، جامع بين علمَيِ الشريعة و الحقيقة ، له اليد الطولى في علم المعقول و المنقول ، تقي نقي عارف بالله لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا يحوم حول الحمى ، يشار إليه بالصلاح في ابتداء أمره ، ذاكرا مُجِدّاً عازما مجتهدا ، إجتمع بمشايخَ عظماء القدر ، مُجازاً مأذونا له في التأليف ، مُقتدَى به ، والغالب مع ظنّي أنه من أهل الكشف .
-
لبّى نداء خالقه يوم الخميس 17 شوال 1230 هـ - 21 سبتمبر 1815 م . مخلّفا بعده ، وبإذن منه ، خليفته الأعظم ، وصاحبه المقرّب ، مولانا سيدي الحاج علي التماسيني رضي الله عنه ، تاركا له رئاسة الطريقة ، موصيا إياه بأخذ ولديْه ، سيدنا محمد الكبير وسيدنا محمد الصغير ( الحبيب ) ، إلى موطن الأسلاف عين ماضي زادها الله إشعاعا .
-
من أشهر أقواله :
زِنُوا كلامي بميزان الشرع ، فما وافقََ اعملوا به ، و ما خالف فاتركوه .
التعريف بالخليفة الأعظم الإمام التماسيني رضي الله عنه
و على غرار كل الطرق الصوفية ، فإن للشيخ رضي الله عنه خلفاء بِعَيْن ماضي وبزاوية تماسين .
فخلفاؤه بعين ماضي :
-
سيدي محمد الكبير
- سيدي محمد الحبيب
- سيدي أحمد عمار
- سيدي محمد البشير
- سيدي علال
- سيدي محمد الكبير
- سيدي محمود
- سيدي الطيب
- سيدي علي
- سيدي عبد الجبار
- الخليفة الحالي الشيخ سيدي الحاج أمحمد رضي الله عنه
أما خلفاء الإمام التماسيني فَهُمْ على التوالي :
-
سيدي محمد العيد
- سيدي محمد الصغير
- سيدي أمعمر
- سيدي محمد حمّه
- سيدي البشير
- سيدي محمد العيد ( الثاني )
- سيدي أحمد بن حَمَّه
- سيدي محمد البشير ( الثاني )
- الخليفة الحالي الشيخ سيدي محمد العيد التجاني رضي الله عنه
الخليفة الحالي الشيخ سيدي محمد العيد التجاني التماسيني رضي الله عنه ، وحفظه ، وأطال عمره وأيّده ، وُلِدَ يوم الجمعة 04 رمضان 1373 هـ - 07 ماي 1954 م . جلس على كرسيّ الخلافة يوم الجمعة 01 شوال 1420 هـ - 07 جانفي 2000 م .
أركان الورد التجاني
-
الورد المعلوم الذي يذكره المريد مرتين في اليوم ، مرّة في الصباح ، ومرّة أخرى في المساء وفيه :
-
100 مرّة أستغفر الله
- 100 مرّة من الصلا ة على النبي صلى الله عليه وسلم بأيّ صيغة كانت ، وإن كانت بالفاتح فهي أولى .
- 100 مرة من لا إله إلا الله .
-
الوظيفة و فيها :
-
30 مرة أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم .
- 50 مرة من الفاتح لما أغلق .
- 100 مرة لا إله إلا الله .
- 12 مرة جوهرة الكمال ، وهي صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تُقْرَأُ إلا بالطهارة المائية لخصوصياتٍ فيها .
-
الهيللة :
وهي ذكر كلمة التوحيد لا إله إلا الله بعد عصر يوم الجمعة لمن له وسع من الوقت إلى غروب الشمس ، وإلا يجعل لنفسه عدد معين فوق الألف إلى 1600 .
شروط الدخول في الطريقة التجانية .
تُلَقَّنُ الطريقة التجانية لكل من طلبها من المسلمين ، ذَكَرا كان أو أنثى ، صغيرا أو كبيرا ، حُرّاً أو عبدا ، طائعا أو عاصيا ، بشرط أن يلتزم بشروطها ، وأن يَصْدُق الله على ما عاهد عليه ، وإن خالف بعضَ شروطها الأساسية انقطع عنها من حينها .
-
القسم الأول : وفيه الأركان التي إن أخل صاحبها بواحد منها رُفِع عنه الإذن حالا ، وهو مُطَالَب بتجديد العهد إذا تاب وعزم على الإلتزام بها .
-
الإنفراد بها وعدم جمعها مع طريقة أخرى .
- المداومة على قراءة الأوراد إلى الممات .
- ألا يصدر منه بُغْضٌ أو سَبٌّ أو عداوةٌ في جانب شيخه .
- عَدَمُ زيارة الأولياء ، الأحياء والأموات ، مع تعظيم حرمتهم .
- الإعتقاد في الشيخ و خليفته إلى الممات .
-
القسم الثاني : شروط يتعهد بها المريد قبل الدخول :
-
طاعة الوالدين
- المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة إن أمكن .
- عدم الأمن من مكر الله .
- عدم التهاون بالورد و تأخيره عن وقته .
- عدم التصدر لإعطاء الورد من غير إِذْنٍ صحيح .
- إحترام كلّ مَنْ ينتسب إلى الشيخ ، لا سيما أهل الخصوصية منهم .
مقاصد الإنتماء لطريقة
- سير المريد على منهاج الشريعة ، وإرشاده باستعمال فقهها ، وجعل الأذكار سياجا على دوام هذا الإستعمال .
- ربط نورانية المريد برباط المراقبة ، ولا يستطيع الإنسان مراقبة نفسه أمام حدود الله لأنه عليها رؤوف . فمراقبة غيره عليه في سيره أتَمُّ .
- جعْلُ المحبّةِ السّاريةِ من المريد إلى شيخه ، ولو بوسائط ، مادة هاته المراقبة ، وكذلك المحبة السارية من الشيخ إلى المريد .
- البلوغ إلى التوبة النصوحة لقوله تعالى :
يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا .
(7)
- ملازمة ذكر الله القاضي بسعادة الدارين ، ووُرود الرحمة على الذاكرين ، لأنّ الله جليس من ذاكرهم كما جاء في الحديث القدسي .
- التقرب إلى الحضرة الإلهية بكل ما في وسع النفس مِنْ همّة ومحبّة و إحساس .
- الشكر ، وهو العمل في الدين والطريق بإخلاص بقصد شكر المنعِم تعالى لا لغرض دقة أو جلة .
الطريقة التجانية وخدمة الحق وأهله
برزت الطريقة التجانية من حضرة الزّلفى بفضل الله ، وأهلها كلّهم مرادون في صورة مريدين ما داموا موَفِّين بشروطها ، وإن كانت مراتبهم تتفاوت بقدر ما لكل واحد من استعداد في مجاهدة نفسه ، والإجتهاد في العبادات والأعمال الصالحة النافعة للبلاد والعباد ، وهي طريقة حمْدٍ وشكرٍ لله ، مبنيّة على أساس الجدّ في القول و العمل ، وترك الخوض فيما يخوض فيه المتوغّلون .
وسعة انتشار الطريقة التجانية في العالم شهادة على تحقّق سرّ سريان التربية بها في جميع الأقطار المختلفة ، فجميع مَنِ انخرط بصدق في طريق الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه يصبح بفضل الله تعالى قابل لحمل أسرار الشيخ ، وكلّ على حسب طاقته .
بدأ انتشار الطريقة بقصر أبي سمغون على يد مؤسسها رضي الله عنه سنة 1782 م ، فسبق للأخذ عنهم أقر ب المقربين إليه من رفاقه ، سيدي ابن المشري ، سيدي علي حرازم ، سيدي محمد بن العربي الدمراوي ، وآل بيته . ثم أخذت تنتشر بعين ماضي و القرى المجاورة حتى ذاع صيتها في جلّ أرجاء الصحراء حيث كان الشيخ الأكبر يقدم المقدّمين ، ويطلق لهم في الإجازة ، ثم يرسلهم إلى جهات مختلفة ، منهم على سبيل المثال لا الحصر سيدي محمد الحافظ الشنقيطي ، سيدي إبراهيم الرياحي التونسي ... ، وهي بهذا الإنتشار تخدم الإسلام ومنهجهم عبر أنحاء المعمورة وذلك بتزايد عدد المسلمين بالقارة الإفريقية ، والتصدّي للوثنية والكفر بجميع الوسائل ، بالإقناع ، والتسامح ، والجهاد بحسب المقتضيات التاريخية . كما أنها تزداد يوما بعد يوم في أوربا ، وأمريكا ، وآسيا ، حاملة معها لواء الإسلام والسّلام بمبادئه السامية ، ويرجع سرّ هذا التطور ، وزيادة الإقبال ، إلى جملة من الأسباب :
- مصداقية رسوخ الشيخ في العلم و الولاية ، بل تبوّءه أعلى مرتبة فيها ، وجمعه بين عِلْمَيْ الظاهر و الباطن .
- تماشيها مع مقتضيات العصر ، مع ملازمة روح الدين . ومع تطوّر وسائل الإتصال ، فلا غرابة أن تحظى بزيادة انتشار في العالم المتعولم ، البعيد عن الروحانيات ، والذي مَلَّ و سئم السفسطة ، والجاهلية الجوفاء في المسائل الدينية ، وأصبح كل همه الحصول على ما يطمئن به قلبه ، ويرسخه في الدين ، فيَجِدُ الطريقة التجانية أمامه عارضة له الإسلام الصحيح المعتدل ، البعيد عن كل تطرف مهما كان نوعه .
- ثبات صحة الإذن المحمدي في تلقينها . فمنذ أن ظهرت الطريقة سنة 1782م إلى يومنا هذا وهي في انتشار ، وفي غير المسلمين من أهل التبشير النصرانيين .
وكلما ازدادت محاربتها ازداد انتشارها . إنّه الله يدافع عن الذين آمنوا ، وقد أخبر مؤسسها الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضَمَنَ له بقاءها ما بقي الإسلام .
- الدعوة إلى الصحبة في الله ، والتعاون على البرّ والتقوى ، وأحسن دليل على ذلك تسمية الشيخ رضي الله عنه لأتباعه " الأحباب " ، أيّ المتحابّون في الله .
- حرصها على توطيد تعاليم الشريعة المحمدية بطيب نفس .
إذا تتبّعتَ شروط الدخول في الطريقة التجانية ، وتدبّرتَ معانيها ، عرفتَ أنّ قبول تلقينها مرهون بالتزام المريد بالمحافظة على الصلاة في جماعة ، والتقوى في السرّ والعلانية ، والمحافظة على الشريعة ، والمجاهدة النفسية بقدر الإستطاعة .
- ما يجده المنخرط فيها من شرح الصدر بسبب تزايد ثقته بالله عزّ وجلّ ، وعدم اليأس والقنوط من التوبة النصوح .
- تيسير أورادها في الأداء ، وفي الزمان والمكان . قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
فوقت ورد آخر النهار من صلاة العصر إلى وقت العشاء ، ومَنْ فاته ذلك لتنقل أو مرض أو نحوه فليتداركه في وقت أمكنه في الليل .
وورد أول النهار بعد صلاة الصبح ويمتد إلى وقت الضحى الأعلى ، ومَنْ شغلَه عذر صحيح فليتداركه في أي وقت من النهار .
أما الوظيفة فمرة واحدة بين اليوم والليلة ، أّي وقت أمكن الإجتماع فيه إذا كان في المحلّ جماعة ، أما الواحد ففي أي وقت شاء .
- إحترام كل المذاهب الفقهية السُنِّية ، وكل المذاهب الإقتصادية والسياسية ما لم تصطدم بالشريعة الإسلامية .
والدليل ، تواجد التجانيين في جميع المذاهب الفقهية السنّية : مالكية ، شافعية ، حنفية ، وحنابلة ،لأن الطريقة ليست بمذهب ، وإنما هي سيْرٌ وسلوكٌ نحو ملك الملوك .
- إحترامها لسيادة الشعوب والدول ، وعدم التدخّل فيما لا يعنيها ،لأن غرضها الوحيد الدلالة على الله ، وسعادة الفرد والمجتمع .
الملاحظ لأعمال مؤسس الطريقة يجد أن الشيخ رضي الله عنه ، منذ البداية ، إنتقى نخبة من أهل العلم والصلاح من مختلف بلدان المغرب العربي ، مصر ، السودان ، وعيّنَ مِنْ أهل كلّ إقليم رجالا صادقين ، وكلّفهم بنشر طريقته بالرفق و الحكمة ، وفقا لمجاري المقادير ، والأسباب الإلهية .
- طابعها الإسلاميّ العميق ، إذْ هي قابلة للتعايش ، وصالحة لكل زمان ومكان ، بغضّ النظر عن كل الإختلافات ، والتنوّع الثقافي ، والسياسي ، واللغوي .
وعلى هذه الميزة الأخيرة نختم هذه المداخلة لنقول : أنّ الطريقة تفسح مجالا واسعا للتشاور والتراحم بين المسلمين ، وهي تفرض على أتباعها المساهمة بما لديهم من إمكانيات في إيجاد جسور حوار وتعارف ، وتقليص أسباب التوتّر والعنف ، ونشر روح التسامح والحوار .
وفق الله الجميع لما فيه الخير و الصلاح وعلى الله قصد السبيل .
- الذّاريات ، الآية 56 .
- الجمعة ، الآية 2 .
- الشمس ، الآيات 7-8-9-10 .
- الكهف ، الآيات 103-104 .
- الزيارة المذكورة هي الثانية التي قام بها القطب المكتوم رضي الله عنه لسيدي محمود الكردي رضي الله عنه . الأولى كانت أثناء رحلة الذهاب إلى الحجّ .( المشرف ) .
- هذه الصّيغة الجديدة لشعار سيدي الحاج عليّ التّماسيني رضي الله عنه من كلام الإمام الهمام ، شيخنا المعظّم ، المجدّد الأكبر ، الشيخ سيدي محمد العيد رضي الله عنه ، وأطال في عمره . لقد قال - في ما معناه - : " قال الشيخ سيدي الحاج علي رضي الله عنه : اللويحة والمسيحة والسبيحة ، أما أنا فأقول : 3ع ، علم ، عمل ، عبادة " . ( المشرف ) .
- التحريم ، الآية 8 .